د،.عبدالعزيز رجب يكتب: هل تعرف من هم أشد ٱعداء الٱمة
النفاق من أخطر الأمراض التي تصيب الفرد، والمجتمع وَتُؤْدَى بالفرد إلى الهلاك والمجتمع إلى الدمار والخراب هو مرض النفاق، لأن النفاق هو مُخالفةُ الباطِنِ للظَّاهِرِ، وإظهارُ القَولِ باللِّسانِ أو الفِعلِ، بخلافِ ما في القَلبِ مِن القَولِ والاعتقادِ، والمنافِقِ هو يقول ويفعل خلاف ما يعتقد.
فالمنافقين هم أشد أعداء الأمة الإسلامية، لأنهم يتلوَّنون حسب البيئة، فهم ذئاب في جلد بني الإنسان، يظهرون بمظهر المشفق والناصح الأمين، وهم يسعون إلى الهلاك والدمار والخراب والفساد في الأرض، وأشد خطرا من أعداء الأمة الظاهرين لأنهم يعملون في الخفاء، ويعجبنا كلامهم وأفعالهم خداعا ومكرا، فلا يُؤْتَمَنُونَ على دين ولا نَفْسٍ ولا عرض ولا مال ولا وطن، ونحسب أنهم معنا وهم علينا.
قال تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ ۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ﴾[المنافقون – 4]، وعن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلىَ أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ” (أخرجه الطبرانيُّ والبيهقيُّ ).
وينتشر هذا المرض في جميع الطوائف كالعلماء والدعاء والتجار والوزراء والكتاب والصحفيون والشعراء، حتى قال صاحبهم قديماً ما شئت لا ما شاءت الأقدار …. فاحكم فأنت الواحد القهار
جزاء المنافقين
ولخطورة المنافقين ودورهم في خراب المجتمع، وعدهم الله بالعذاب الأليم، قال تعالى: ﴿بَشِّر المنافقين بأن لهم عذابًا أليمًا﴾ (النساء: 138)، وهم في الدرك الأسفل من النار ؛ قال تعالى: ﴿إن المنافقين في الدَّرْكِ الأسفلِ من النارِ ولن تَجدَ لهم نصيرًا﴾ [النساء: 145]، وسيجمعهم الله مع الكافرين في جهنـم؛ قال تعالى: ﴿إن اللهَ جامعُ المنافقين والكافرين في جهنمَ جميعًا﴾ [النساء: 140].
والله سيكشفهم ويفضحهم ولو بعد حين، قال تعالى: ﴿ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ الله مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة:64]، وسُميّت سورة في القرآن الكريم بهذا الاسم، وهي «سورة المنافقون»، وصُدّرت بقوله تعالى: ﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ [المنافقون: 1].
خوف الصحابة من النفاق
ولشدة خطورة النفاق كان الصحابة -رضي الله عنهم- يَخْشَوْن على أنفسِهم منه كما ورد عن حَنظَلةَ الأسيديِّ -رضي الله عنه – : أنَّه مرَّ بأبي بكرٍ -رضي الله عنه- وهو يبكي، فقال: ما لك؟ قال: نافَقَ حَنْظلةُ يا أبا بكرٍ؛ نكونُ عند رَسول اللهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – يذكِّرُنا بالجَنَّةِ والنَّارِ كأنَّا رأيَ عَينٍ، فإذا رجَعْنا عافَسنا الأزواجَ والضَّيعةَ، فنَسينا كثيرًا ! قال أبو بكر: فواللهِ إنَّا لكذلك ! فانطلَقْنا إلى رَسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- ، فقال: “ما لك يا حنظلةُ؟” قال: نافق حنظلةُ يا رسولَ اللهِ! وذكر له مِثْلَ ما قال لأبي بكرٍ، فقال رَسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – : لو تدومون على الحالِ التي تقومون بها من عندي، لصافحَتْكم الملائكةُ على مجالِسِكم وفي طُرُقِكم، ولكِنْ يا حنظلةُ ساعةٌ وساعةٌ.(أخرجه مسلم)، ولما مات رجل من المنافقين فلم يصل عليه حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – صاحب سر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، فقال له عمر : أمن القوم هذا ، قال : نعم ، قال : بالله أمنهم أنا ، قال : لا ، ولن أخبر به بعدك أحداً. (رواه البزار)
بواعث النفاق
وإذا تعمقنا في أسباب بواعث النفاق، لوجدنا أن المنافق غير مخلص لله رب العالمين في أقواله وأعماله، فيدفعه الحصول على بعض المغانم الدنيوية كطلب العزّ والجاه، السلطة والقرب من السلطة إلى النفاق، أو أن يشعر بالعداوة عند شخص معين لأنه سلب منه الزعامة والوجاهة، فيدفعه ذلك إلى الكره ثم يتحول إلى النفاق، كما حصل لزعماء المدينة بعد دخول الإسلام فقد أوصل النفاق عبدالله بن سلول رأس المنافقين في المدينة المنورة، ليصبح عدوا لله ورسوله، وقال في رسول الله قولا عظيماً فقد قال للأنصارِ: واللهِ ما مَثَلُنا ومَثَلُ مُحمَّدٍ إلَّا كما قال القائِلُ: «سَمِّن كَلْبَك يأكُلْك»، وقال: ﴿لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ [المنافقون: 8]، وبنوا مسجد في المدينة (مسجد ضرار) ليفرقوا كلمة المسلمين، وقد أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بحرقه وهدمه بعد كشف نيتهم وخبث فعلهم. قال تعالى: ﴿ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًۢا بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَآ إِلَّا ٱلْحُسْنَىٰ ۖ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَٰذِبُونَ﴾ [التوبة – 107].
أنواع النفاق
والنفاق ليس نوعا واحداً، ولكنه درجات ، من النفاق ما يخرج من الملة ويصل بصاحبه إلى الكفر، ومنه ما يعد من الكبائر.
النوع الأول: النفاق الأكبر
وهو النفاق الاعتقاديّ، وهو مخرج من الملة، وهو: أن يظهر الإنسان الإيمان وإبطان الكفر، وصاحبه مُخلَّدٌ في الدرك الأسفل من النار، لأنه ليس من الموحّدين – والعياذ بالله تعالى – كالذي حصل في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- وأشار الله تعالى إليه في قوله سبحانه: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 8]. فهؤلاء يظهرون أنهم مسلمون فيصلون مع الناس، وربما يتصدقون، ويذكرون الله جل وعلا، ولكنهم لا يذكرون الله تعالى إلا قليلًا، ويقرّون بالرسالة ولكنهم كاذبون، يقول الله تبارك وتعالى فيهم: ﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 1، 2].
النوع الثاني: النفاق الأصغر
وهو النفاق العمليّ الذي لا يُخرج من الملة ولا يْخرج من الإيمان، وهو مذمومٌ أشدَّ الذمِّ، وهو التَّشبُّهُ بالمنافقين في أخلاقهم، وهذا النوع لا يُخرجُ صاحبه عن الإيمان، إلَّا أنَّه كبيرةٌ من الكبائر، وصاحبُه مُوحِّدٌ غيرُ مُخلَّدٍ في النار، مثل ما ورد في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا وعَدَ أخْلَفَ، وإذَا اؤْتُمِنَ خَانَ »؛ (متفق عليه) ومثل نفاق الخشوع: كما كان يقول أبي الدرداء – رضي الله عنه – استعيذوا بالله من خشوع النفاق. قالوا: يا أبا الدّرداء وما خشوع النفاق؟ قال: أن يرى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع.
صفات وعلامات النفاق والمنافقين
والمنافقون لهم صفات وعلامات، نستطيع من خلالها التعرف عليهم، فنحذرهم، وكذلك إذا شعر الإنسان أن هذه الخصال أو بعضها فيه فيعالج نفسه، منها:- الكذب والغدر والخيانة، والفجور في الخصومة، فعن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنه – أنّ النبي – صلى الله تعالى وسلم – قال: « أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ» ( متفق عليه).
الإعراضُ عن الجِهادِ: كما روي عن أبي هُرَيرةَ – رَضِيَ اللهُ عنه- قال: قال النَّبيُّ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «من مات ولم يَغْزُ ولم يحَدِّثْ به نَفْسَه، مات على شُعبةٍ من نفاق» (مسلم).
الإفساد في الأرض: قال تعالى في وصف المنافقين: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ *أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ *وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة :11 ـ 13] .
خداع المؤمنين: قال تعالى: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾ [البقرة :14].
الإعراض عن التحاكم إلى شرع الله: قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا *وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ﴾ [النساء :60 ـ 61].
الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف: قال تعالى: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [التوبة :67] .
اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين: قال الله تعالى: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا *الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَولِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ [النساء :138 ـ 139].
الخداع والمخادعة، والمكر البالغ، والعدوان على الناس، والفتور والكسل عند قيامهم للصلاة، وتأديتها رياءً وسمعةً، وكذلك قلّة ذكرهم لله تبارك وتعالى، والتردد والحَيْرة والاضطراب، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ ﴾ [النساء: 142، 143].
ونعرفهم في لحن القول، قال الله تعالى: ﴿ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 30]
علاج النفاق
من أُبْتُلِىَ بهذا المرض الخطير أو كان فيه خصال النفاق أو بعضا فيستطيع أن يستعين بهذه الوسائل لعلاج نفسه، مثل معرفة خطورة النفاق وما أعد الله للمنافقين يوم القيامة، والحث على الصدق وبيان فضائله، وعواقب الرياء والسمعة، والتربية على العقيدة الإسلامية، والاعتزاز بالدين، وذكر الله وقراءة القرآن، واستحضار الإنسان لما أعدّه الله للمنافقين من فضيحة في الدنيا وعذاب في الآخرة، وتغيير المنافق لطريقته، والاتصاف بالصفات المضادّة لصفات المنافقين، ويدعو الله بالثبات على الدين، ويتعوّذ بالله من طريق المنافقين، ويطلب من الله أن يقيه شرّهم ومكرهم، ويدعوا الله أن يخلصه من هذه الصفات، ويستبدلها بالإخلاص والإيمان والصدق واليقين وحسن الخاتمة وقبول العمل.