د. عبدالعزيز رجب يكتب: ما لا تعرفه عن الأمانة والخيانة
بقلم د. عبدالعزيز رجب
الأمانة من أنبل الصفات، وأشرف الفضائل، بها يُحرز الإنسان الثقة، وينال النجاح، والفوز برضا الله سبحانه وتعالى، وصِفُة الأمانة لها دورا مهما في حياة الفرد والمجتمع، فهي التي تنظم أعمالهم وشؤونهم، وهي عنوان نبلهم واستقامتهم، والخيانة هي من أهم أسباب سقوط الفرد في مجالات الحياة.
والأمانة من صفات النبي – صلى الله عليه وسلم- و قد لُقِبَ – صلى الله عليه وسلم- بالصادق الأمين، وذلك لأمانته في تجارته وتعامله مع الأخرين ولصدقه بحديثه، وجبرائيل – عليه السلام – وُصِفَ بالأمين، قال تعالى:﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾[الشعراء 192-194]، والأمانة من أعظم علامات الإيمان وصفات المؤمنين قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾[المؤمنون:8]
فما هي الأمانة؟
كثير من الناس يحصرون الأمانة في الوديعة، والوديعة جزء منها وليست كلها؛ إذ الأمانة بمعناها العام تشمل الدين كله وهي المذكورة في قول الله – تعالى – :﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾[الأحزاب: 72]، فدين الله – تعالى – الذي نُدِين به أمانة، وشريعته أمانة، والعبادات أمانة، والمعاملات أمانة، فالأمانة: هي كل ما لزم على الإنسان أداؤه وحفظه من الحقوق والواجبات المترتبة له وعليه، عن أَنَسِ بْنِ مَالِك – رضي الله عنه – عن النبي– صلى الله عليه وسلم -قَالَ:« لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ ». (أخرجه الترمذي)
النهي عن الخيانة:
وإذا كان الإسلام حث على الأمانة، فقد نهى عن الخيانة، والتي هي عكس الأمانة فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[الأنفال:27]، وقال : ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ٣٨﴾ [الحج:38]بل الخيانة خصلة من خصال النفاق، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان». (متفق عليه).
ويفضح كل خائن غدار يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، عن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما- عن النبيِّ – صلى الله عليه وسلم- قال: «إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ»(متفق عليه)
سواء أكانت الخيانة في الدِّين ﴿وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ﴾ [الأنفال: 27]، أو الخيانة في المال ﴿ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا﴾[النساء: 105]، أو الخيانة في نقض العهد ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً﴾ [الأنفال: 58]، أو خيانة في العرض والشرف ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴿30﴾ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴿31﴾ ﴾ [النور].
أنواع الأمانة:
وللأمانة أنواع متعددة، منها:
1- أمانة تولي المناصب والوظائف العامة: فلا يترشح لها ولا يتولاها إلا القوي الحافظ الأمين، قال تعالى على لسان يوسف – عليه السلام-: ﴿قَالَ ٱجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلْأَرْضِ ۖ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾[يوسف: 50] ، وعن أبي ذرّ – رضي الله عنه – أنه قال: قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قالَ: فَضَرَبَ بيَدِهِ علَى مَنْكِبِي، ثُمَّ قالَ: «يا أَبَا ذَرٍّ، إنَّكَ ضَعِيفٌ، وإنَّهَا أَمَانَةُ، وإنَّهَا يَومَ القِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إلَّا مَن أَخَذَهَا بحَقِّهَا، وَأَدَّى الذي عليه فِيهَا». ( أخرجه: مسلم)
2- أمانة الاهتمام الرعيَّة: بالقيام بالواجب نحوها وإعطائها حقوقها وحمايتها، فعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما- عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (متفق عليه).
3- أمانة إتقان العمل وإجادته وعدم السرقة منه: : عن أبي موسى الأشعري- -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: « الخازنُ الأمينُ الذي يُؤدِّي ما أُمِرَ به طَيِّبةً به نَفْسُه أحَدُ المُتصدِّقينَ». ( أخرجه البخاري)
وعن بُرَيدة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: « منِ استعملناهُ على عملٍ فرزقناهُ رِزقًا فما أخذَ بعدَ ذلكَ فهوَ غُلولٌ». (أخرجه أبو داود وابن خزيمة)
4- أمانة الحديث: وخاصة أحاديث المجالس والعمل، فعن جابر بن عبدالله -رضى الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: « إذا حَدَّثَ الرجلُ الحديثَ ثم التَفَتَ فهي أمانةٌ».( أخرجه: أبو داود والترمذي).
وعدم إفشاء الأسرار الزوجية، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الرَّجُلُ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وتُفْضِي إِلَيْهِ، ثم يَنْشُرُ سِرَّهَا».( أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ)
5- أمانة ردُّ ودائع الناس: قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ (النساء: 58)
فالأمانة إذن هي القيام بجميع التكاليف والالتزامات الاجتماعية والأخلاقية، وتشمل كل شئون الحياة، من عقيدة وأدب ومعاملة وتكافل اجتماعي وسياسة حكمية رشيدة وخُلق حسن كريم.
ونستطيع اكتساب خلق الأمانة من خلال: تقوية الإيمان بتقوى الله عزوجل، وتذكر فضل الأمانة وعاقبة الخيانة، والتفكر بالفوائد التي تعود بها الأمانة على الأمة، ومجاهدة النفس وتعويدها، ومطالعةُ سِيَرِ الأنبياءِ والصَّالحين والاقتداءُ بهم، وإسنادُ الأمورِ إلى أهلِها، واستِشعارُ كُلِّ إنسان المسؤوليَّةَ تجاهَ واجِباتِه.
وبهذا تنتظم أعمال الناس وشؤونهم، وينصلح حالهم واستقامتهم، ويسعدوا في الدنيا والآخرة.