مقترحات لتأسيس قاعدة صناعية متكاملة في مصر
بقلم: محمد الحسيني
مقدمة
تمثل الصناعة الركيزة الأساسية لتنمية الاقتصاد الوطني وتحقيق الاستقلالية الإنتاجية للدول. وعلى مدار العقود الماضية، سعت العديد من الدول إلى بناء منظومات صناعية متطورة قادرة على المنافسة العالمية، وهو ما انعكس إيجابيًا على معدلات النمو الاقتصادي والاستدامة. وفي هذا الإطار، تشهد مصر طفرة في تطوير بنيتها التحتية، وخاصة في قطاع النقل، ما يوفر فرصة ذهبية لتأسيس قاعدة صناعية متكاملة تستفيد من هذه التطورات.
النقل كعنصر أساسي في التنمية الصناعية
يعد النقل من أقدم وأهم وسائل دعم التنمية الاقتصادية، حيث تطورت وسائله عبر العصور، من الدواب والقوارب الشراعية إلى القطارات والطائرات الحديثة. وبفضل الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة المصرية في السنوات الأخيرة، تم إنشاء شبكة طرق حديثة ومتطورة، إلى جانب تطوير قطاع السكك الحديدية والموانئ والمطارات، وهو ما يمهد الطريق لقيام صناعة قوية تعتمد على بنية تحتية متكاملة.
لكن للأسف، لم يتم تقديم هذه المشروعات إعلاميًا كمنظومة متكاملة، بل كإنجازات منفصلة، مما أدى إلى عدم إدراك الشعب لأهميتها وتأثيرها الكبير على مختلف القطاعات الاقتصادية. لذا، فإن الخطوة التالية هي استثمار هذه البنية التحتية لتطوير الصناعة، وهو ما يستدعي وضع استراتيجية واضحة ومستدامة للنهوض بالقطاع الصناعي.
مقترحات أساسية لتطوير الصناعة في مصر
من أجل بناء قاعدة صناعية متكاملة، هناك مساران رئيسيان يمكن البدء بهما دون تحميل الدولة أي أعباء مالية إضافية، مع تحقيق نتائج ملموسة وسريعة للمواطنين.
المسار الأول: تأسيس صناعة خدمات النقل بمستوى عالمي
تحويل مصر إلى مركز عالمي لخدمات النقل، بحيث تصبح سوقًا حرة لكل ما يلزم هذا القطاع، مستفيدةً من موقعها الجغرافي الفريد.
إقامة مناطق صناعية متخصصة لصناعة خدمات النقل، على أن تكون بعيدة عن الكتل السكنية للحد من الازدحام وتسهيل الحركة.
إنشاء مراكز خدمات نقل متطورة على الطرق الرئيسية، مع ضمان تصميمها بشكل غير تقليدي، بحيث تصبح نقاط جذب للعاملين في القطاع من مختلف دول العالم.
تشجيع الاستثمار في تصنيع مستلزمات النقل، بما في ذلك قطع الغيار والمعدات، لتقليل الاعتماد على الاستيراد.
إجراء تعديلات تشريعية لدعم هذه الصناعة وضمان مرونة الإجراءات اللازمة لإنشائها.
المسار الثاني: بناء قاعدة متكاملة لخدمات الصناعة
لا يمكن لأي دولة أن تصبح قوة صناعية حقيقية دون تأسيس بنية تحتية قوية لخدمات الصناعة، بما في ذلك توافر الخامات والعمالة الماهرة والماكينات الحديثة.
إنشاء مركز عالمي لخدمات الصناعة في مصر، مستفيدًا من الموقع الجغرافي الاستراتيجي، لجذب الاستثمارات الدولية وتوفير مصادر دخل جديدة من العملة الصعبة.
إعادة هيكلة الإدارة الصناعية لضمان كفاءة تنظيمية تواكب التطورات العالمية.
تحفيز العاملين في الصناعات المختلفة للانتقال إلى المناطق الصناعية الجديدة، مما سيسهم في تفريغ المناطق المزدحمة في المدن الكبرى، مثل السبتية وشارع الجمهورية وشبرا.
دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة بشكل عملي وفعال، بحيث تصبح جزءًا من سلسلة القيمة الصناعية الكبرى.
التحديات والمشكلات القائمة
على الرغم من الجهود المبذولة، تواجه الصناعة المصرية تحديات عديدة، أبرزها:
- تكلفة الخامات: أسعار المواد الخام في مصر غالبًا ما تكون أعلى من نظيرتها في الدول الصناعية الكبرى، مما يؤثر على القدرة التنافسية للمنتجات المصرية.
- نقص العمالة الماهرة: هناك فجوة كبيرة في توافر المهارات المطلوبة للصناعة، حيث أصبحت بعض المهن الصناعية في طريقها إلى الانقراض.
- غياب مفهوم تعميق الصناعة: يتم الحديث عن تعميق وتوطين الصناعة منذ سنوات، دون وجود رؤية واضحة أو سياسات فعالة لتنفيذ ذلك.
- التعقيدات الإدارية: تأسيس الشركات الصناعية يواجه عقبات بيروقراطية، مما يعطي انطباعًا سلبيًا لدى المستثمرين الأجانب.
- إهمال سياحة رجال الأعمال والمعارض: التركيز على السياحة التقليدية وإغفال أهمية سياحة الأعمال والمعارض الدولية، والتي تعد عنصرًا مهمًا في تنشيط الاقتصاد.
الخاتمة والتوصيات
إن مصر تمتلك كل المقومات التي تؤهلها للتحول إلى قوة صناعية عالمية، لكنها بحاجة إلى رؤية شاملة واستراتيجية متكاملة تستفيد من التطورات التي حدثت في البنية التحتية، وخاصة النقل. ومن خلال التركيز على تطوير صناعة خدمات النقل وإنشاء قاعدة متكاملة لخدمات الصناعة، يمكن تحقيق قفزة نوعية في الاقتصاد المصري.
لذلك، من الضروري إعادة تقديم الإنجازات التي تمت على أنها جزء من منظومة اقتصادية شاملة، وليست مجرد مشروعات منفصلة، مع العمل على وضع خطط استثمارية واضحة تسهم في تحويل مصر إلى مركز صناعي عالمي.
مع كامل الاستعداد لمناقشة هذه المقترحات بالتفصيل والمشاركة في وضع التصورات العملية لتنفيذها.
بقلم:
محمد الحسيني
مدير عام شركة سنتو جلوبال المحدودة – هونج كونج