جيفري دي ساكس يكتب: حان وقت الحديث عن شروط السلام مع روسيا «2 من 2»

بوابة الاقتصاد
الحق أن فكرة أن الوقت في مصلحة أوكرانيا ليست سوى رهان طائش متهور.
من المستبعد تماما أن تهزم روسيا قريبا في أوكرانيا، بل يبدو أن القوات الروسية تقترب من إحكام قبضتها على منطقة دونباس. على نحو مماثل، لا يشكل الاعتقاد الذي يتقاسمه بعض المراقبين في الحكومة الأمريكية بأن بوتين سـيـطـاح به قريبا سوى تكهنات جامحة وخطيرة، ولا يـعـد أساسا للسياسات. الواقع أن بوتين يمتلك من قوة النيران ما يكفي لتدمير أوكرانيا ومناطق أخرى كثيرة، وربما ما يكفي من القوة لإتمام الأمر إلى النهاية. إن استخدام أقل قدر على الإطلاق من المخزون النووي لدى روسيا من شأنه أن يدمر العالـم لعقود طويلة مقبلة، وربما يؤدي إلى نهاية البشرية.
مع ذلك، يعتقد بعض المراقبين أن الخطر الأكبر يكمن في تسوية غير عادلة، ويشيرون إلى التنازلات الإقليمية التي حصل عليها هتلر في عام 1938، والتي شجعته على انتزاع مزيد من الأرض. ولكن على النقيض من قبول الغرب شرط تقسيم تشيكوسلوفاكيا في ميونيخ، فإن التسوية الدبلوماسية في أوكرانيا لن ترقى إلى كونها تنازلات أحادية الجانب باسم السلام، بل يجب أن تعني الانسحاب الروسي الكامل من أوكرانيا، وضمانة جديرة بالثقة لسيادة أوكرانيا وسلامتها الإقليمية، وتنفيذ إجراءات الاستقلال الذاتي في دونباس على طول خطوط متفق عليها سلفا. الأمر الأكثر أهمية هو أن عدم توسع الناتو ليس تنازلا، لأن توسع الناتو ليشمل أوكرانيا ما كان يجب أن يـطرح كموضوع للمناقشة في الأساس. ومن الممكن أن يساعد استبعاده في النهاية على إنشاء إطار أمني شامل وأكثر حكمة في أوروبا.
يجب أن يتضمن أي اتفاق أيضا وسائل تعافي أوكرانيا بعد الحرب. في عموم الأمر، لم تـجـبـر الدول “بما في ذلك الولايات المتحدة” على تحمل المسؤولية عن إعادة بناء ما دمرته، لكنه لمبدأ مناسب أن تدفع روسيا قسما كبيرا من تكاليف إعادة إعمار أوكرانيا. يجب ألا يعني هذا التعويض في حد ذاته، بل يعني مشاركة روسيا في آلية تمويل متعددة الأطراف. أعتقد أن صندوق النقد الدولي سيكون مكانا مناسبا لاستضافة مثل هذا الترتيب. في سياق اتفاق السلام، يجب أن توافق روسيا على الالتزام بتخصيص بعض احتياطياتها المجمدة من النقد الأجنبي كجزء من عملية رفع العقوبات. يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضا إعادة تدوير بعض مخصصاتهما الجديدة من حقوق السحب الخاصة التي يصدرها صندوق النقد الدولي “أصول الصندوق الاحتياطية” لصندوق إعادة الإعمار.
ينبغي لأوكرانيا والناتو ألا يقيما سياساتهما على فرضية غامضة وغير مرجحة مفادها أن إلحاق الهزيمة بروسيا في هذا الصراع احتمال وارد. من الواضح أن هذا لن يحدث قبل أن تتحول أوكرانيا إلى خرائب، وإذا انقلبت الاحتمالات العسكرية ضد روسيا حقا، فربما تستسلم لإغراء إطلاق العنان لحرب نووية. كل هذا يجعل من الضروري لمصلحة أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي العمل الآن على صياغة شروط سلام مقنعة وحكيمة ومعقولة. والاتفاق على مثل هذه الشروط في أقرب وقت ممكن من شأنه أن يزيد من احتمالات تجنب الانزلاق إلى مسار يقودنا إلى حرب عالمية ثالثة.
نقلا عن «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.