آخر الاخباراقرأ لهؤلاء

((التخطيط والإعداد في القرآن الكريم سورة يوسف عليه السلام نموذجاً)) (2)

للأستاذ الدكتور/ محمد حامد محمد سعيد الازهري
الأستاذ المساعد بكلية أصول الدين وعلوم القرآن واللغة العربية
جامعة السلطان عبدالحليم معظم شاه الإسلامية العالمية (UniSHAMS)
ولاية قدح – ماليزيا

استكمالا للمقال السابق والمنشور على موقع بوابة الاقتصاد بتاريخ 12 /1/2025 ، نستكمل سوياً التخطيط والإعداد في القرآن الكريم وسندنا في اختيار هذا العنوان سورة يوسف عليه السلام كنموذج على عنوان مقالنا:
رابعاً : قيمة التخطيط في الواقع المعاصر:
وعن قيمة التخطيط في واقعنا المعاصر من خلال سورتنا المباركة يذكر د / عبد البصير على الحُقرة ما نصه “يمكن أن نستخلص ملامح التخطيط الناجح وطرق تنفيذه وذلك لتحقيق أهدافه المرجوة في واقعنا المعاصر، والتي ترجى من وراء كل تخطيط، وذلك حتى تكون نبراساً يُضئ الطريق ويثبت من خلال قول الله سبحانه وتعالى {إني حفيظ عليم} لم يكن ادعاءً بل هو حقيقة واقعية وصدق وثقة في تحمل المسئولية وهذا ما أثبته الواقع، ومن أهم العوامل التي تؤدى إلى التخطيط الناجح في الواقع المعاصر ما يلي:
أولاً: واقعية الخطة من حيث أهدافها والأساليب التي تتبعها وتمشيها مع ظروف المجتمع وإمكانيته، ونظامه الاقتصادي والاجتماعي، وضمان مشاركه الناس في إعدادها وتنفيذها عن قناعه .
ثانياً: تناسق الخطة وترابط مكوناتها لابد من التوافق بين وسائلها وأهدافها وأن تتضمن عوامل النجاح بحيث لا تؤدي إلى اختناقات في بعض القطاعات والمجالات.
ثالثاً: انخفاض تكاليف إعدادها وتنفيذها وتحقيقها للكفاءة الاقتصادية من استخدام الموارد واتبعاها لأنسب الطرق في تحقيق ذلك .
رابعاً: مرونة الخطة بما تكفل صلاحيتها لمواجهة الظروف المختلفة التي قد تطرأ على المتغيرات الاقتصادية أثناء تنفيذ الخطة.
خامساً: الرقابة ومتابعة التنفيذ وذلك لتقييم الأداء وضمانه ، ومواجهه المشكلات المختلفة وتذليل الصعاب والإفادة من ذلك في الخطط التالية”(الحقرة، بدون).
هذا هو أسلوب التخطيط الذى سلكه سيدنا يوسف عليه السلام والذى نحن في واقعنا المعاصر في أمس الحاجة إليه لإنجاح دعوتنا، حيث إن:”المتتابع للأعمال الدعوية القائمة يلاحظ ضعف التخطيط في العمل الدعوي مما أسهم في إضاعة الكثير من جهود الدعاة وإضعاف ثمار أعمالهم الدعوية، وجعل كثيراً من البرامج تنفذ لمجرد التنفيذ فقط، ولا ريب أن من أهم السمات المطلوبة في الداعية إلي الله هي البصيرة بمفهومها الواسع، والتي تشمل – غير العلم بموضوع الدعوة – معاني أخرى كثيرة من أهمها: وجود الفهم الشامل لدى الداعية بأهداف دعوته ومقاصدها وإدراكه للوسائل الشرعية التي ينبغي أن يسلكها لتحقيق هذه الأهداف والتنبؤ بما يعترضه من عوائق ومشكلات…..”(الخالدي، بدون).
فما أحوجنا لمثل هذه الفرص المتاحة لدينا جميعاً، والتي سنُسأل عنها أمام الله تعالى، وصدق الله حيث قال في آخر آية من سورتنا المباركة:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.
لقد أنعم الله تعالى على يوسف بنعمة التخطيط حيث أدرك يوسف عليه السلام أن: “البلاد ستعرف سبع سنين من الرخاء، تعقبها أزمة اقتصادية تدوم سبع سنوات أيضاً، يسودها القحط والجفاف والمجاعة، مما يستدعي قيادةً تتميز بالأمانة والعلم ……. وعلمٌ بفنون التسيير، والتقويم، والتخطيط، والتنظيم، والتنفيذ، والإنتاج، وكذلك الأمانة والعلم خلال سنوات الأزمة، حتى يتحمَّل الناس عواقبها الوخيمة بالعدل، وتحقيق حسن التوزيع، وترشيد الاستهلاك، والتخطيط للخروج من الأزمة بتجنيد القوى العاملة إلى أقصى الحدود، وتشجيع الناس على الإنتاج أكثر من الاستهلاك، لتحقيق النمو الاقتصادي”(عشوي، 1428هـ).
إن الداعية إلى الله تعالى لو أخلص بقدر إتقانه لطعامه وشرابه في دعوته، مُكن له كما مُكن ليوسف في الأرض فقد أصبح:”يتبوَّأ منصباً رفيعاً، تحيطه العناية الإلهية في جهوده القائمة على إتقان العمل والإخلاص فيه، والسعي حثيثاً لتحسين فنون الزراعة، وما يرتبط بها من سقي، وتعهُّد، ورعاية، وحصاد، وجمع، وتخزين، وتوزيع، ولابد أن يكون الإنتاج في سنوات الرخاء أعلى من الاستهلاك، ولابد أن يكون احتياطي الموارد الغذائية كبيراً، ومبنيّاً على حسابات دقيقة؛ بحيث يغطي هذا الاحتياطي حاجة المجتمع خلال سنوات الأزمة”(مرجع سابق).
خامساً : إيجابيات التخطيط للنهوض بالعمل الدعوي:
ومن خلال النماذج سالفة الذكر عن التخطيط كأسلوب من أساليب الداعية إلى الله تعالى، يمكن لنا أن نبرز أهم ما يمكن أن يسهم به أسلوب التخطيط الدعوي في النهوض بالأعمال الدعوية والارتقاء بها حتى تحقق أهدافها بإذن -الله تعالى- ثم بجهود الدعاة الصادقين المخلصين، وأبرز هذه الإيجابيات كما ذكر الدكتور / يحيى بن عبيد الخالدي هى:
أولاً: التخطيط يحدد أهداف الدعاة وغايات البرامج والمشروعات الدعوية، كما يفيد في حُسن الأداء أثناء التنفيذ والتقويم الدقيق بعد ذلك ولا زال هذا الأمر – وهو وضوح الهدف- غائبًا عن كثير من العاملين في الدعوة فهو لا شك يدرك الهدف العام – وهو تبليغ دين الله – ولكنه يجهل الأهداف الخاصة لكل برنامج مما يوجد في كثير من الأحيان سلبيات كثيرة على هذه البرامج وأي عمل دعوي يجب أن ينتهي إلي ثلاث نتائج “حفظ العقيدة، أداء الفريضة، اجتناب الكبائر”.
ثانياً: يساعد التخطيط في اختيار طرق الدعوة المناسبة والملائمة لكل داعية بحسب قدراته وإمكاناته المتوافقة مع طبيعة البرنامج والأهداف المرسومة له وفي تحديد الرأي الأقرب للتقوى لكل برنامج.
ثالثاً: يجعل من السهل التنبؤ بمعوقات البرنامج الدعوي التي يفاجأ بها الداعية أثناء أو قبل البرنامج ويتم هذا بالاستفادة من المعلومات والبيانات التي يجمعها واضع الخطة الدعوية مما يجعله -بإذن الله- أكثر أمانًا وأقل عرضة للمفاجآت التي قد تذهب جهوده أو تضعف ثمارها.
رابعاً: يسهم التخطيط في ترتيب الأولويات لدى العاملين والقائمين على البرنامج الدعوي مما يساعد في اختيارهم الأهم منها عند حدوث تضارب أو تداخل أو عند الحاجة لتقديم برنامج آخر أو إلغاء أحدهما أو غير ذلك.
خامساً: يحدث التخطيط كثيرًا من الانسجام والتناسق بين أعمال الداعية مما يمنع الازدواجية والتضارب في أعماله وبرامجه، فلا تضيع بفعل ذلك كثير من الجهود والأوقات التي يمكن استغلالها لتنفيذ برامج أخرى.
سادساً: يعمل التخطيط على توفير كثير من النفقات المالية والجهود البشرية التي توضع في غير موضعها بسبب ضعف التخطيط أو انعدامه مما يساعد على استثمار هذه الجهود والنفقات لإقامة برامج دعوية أخرى، ولا شك أن عدم وجود تصور واضح للميزانيات المتوقعة لتنفيذ البرنامج هو من آثار ضعف التخطيط.
سابعاً: يفيد التخطيط في تحديد مواعيد زمنية تضبط بدء الأنشطة وانتهاءها، وهذا يجعل الداعية قادرًا على تقويم أعماله ومدى التزامه بالمدة الزمنية المحددة لتنفيذها وكذلك في حسن التوقيت لإقامة البرامج ومنع التضارب مع أنشطة أخرى.
ثامناً: يفيد التخطيط في التجديد في الأساليب والوسائل الدعوية وفي البُعد عن الرتابة والتمسك بالأساليب التقليدية مع التمسك بثوابت المنهج الصحيح في الدعوة.
تاسعاً: يفيد التخطيط في التنسيق بين العاملين أو الجهات الدعوية في الساحة الدعوية بأشكال مختلفة سواء في التنسيق في توزيع المواقع الجغرافية أو التخصص في البرامج الدعوية أو غير ذلك كما يفيد في منع التكرار في البرامج ويحول دون إضاعة الجهود أو إغفال برامج أخرى قد تكون الحاجة إليها كثيرة.
عاشراً: يفيد التخطيط في تقويم الواقع الدعوي في المواقع المختلفة التي تنفذ فيها الخطط الدعوية وفي تحديد مواطن الضعف في الخطة أو في أسلوب التنفيذ ليتم تلافيها في الخطط القادمة، وهذا مما يؤكد أهمية التخطيط في أنه يساعد في عدم تكرار الأخطاء التي ترتكب وفي عمل مراجعات شاملة في نهاية كل خطة دعوية ليتم تقويم النتائج والنسب المتحققة من أهدافها وأبرز سلبياتها وإيجابياتها.
حادي عشر: يجعل من السهل على الداعية أن يحصر البرامج والأنشطة والخطط اللازمة لتوجيه مسار الدعوة بالشكل الصحيح.
ثاني عشر: يسهم في معرفة مواضع الضعف في الطبيعة البشرية ومن ثم تحديد البرامج التدريبية اللازمة للارتقاء بالكفايات الدعوية من الجوانب العملية والإدارية والقيادية كافة.
ثالث عشر: يساعد التخطيط القائمين على الأعمال الدعوية في وضع معايير وأسس لمتابعة أداء الدعاة والعاملين في البرامج ومدى تحقيقهم لأهداف البرنامج.
رابع عشر: يفيد التخطيط في تحديد مهام العاملين في البرنامج الدعوي أو الخطة الدعوية عمومًا وطريقة أدائهم مما يساعد على إدارتهم وتوجيههم بالطريقة المناسبة لتحقيق الأهداف المطلوبة.
خامس عشر: يزيد التخطيط من فاعلية وإنتاجية المديرين للبرامج أو الخطط الدعوية فما دام أن التخطيط يساعد في وضع الأهداف بشكل واضح ومحدد فإنه كذلك يساعد القائمين عليه في اتخاذ القرارات المناسبة التي تحكمها الأهداف الموضوعة للخطة الدعوية.
سادس عشر: يساعد التخطيط في استغلال الفرص الدعوية حيث يفيد في الإعداد المبكر وحسن اختيار التوقيت للبرامج وجمع المعلومات الخاصة بالبرامج وخصوصاً مواعيد إقامتها وتحديد ذلك مسبقًا والإعداد الجيد لها.
سابع عشر: يفيد التخطيط في جعل البرامج والخطط أكثر شمولية وتكاملاً ويلاحظ أثر ذلك في جهود بعض الدعاة أو الجهات الدعوية حيث تركز على شرائح معينة من المجتمع أو على موضوعات وجوانب معينة في برامجها، وتهمل غيرها بينما التخطيط يجعل للعمل الدعوي والجهود الدعوية سمة الشمولية في أطروحاتها وبرامجها.
ثامن عشر: يساعد التخطيط على استمرار الجهود الدعوية – بإذن الله – فكثيرًا ما تتوقف الأنشطة وتتعطل البرامج بسبب حدوث المفاجآت كانقطاع الدعم أو سوء التنفيذ أو سوء التوقيت ولعدم وضع بدائل لهذه الحالات الطارئة”(الخالدي، بدون).
هذه هي أهم إيجابيات التخطيط كأسلوب من أساليب الداعية إلى الله تعالى، فلو التزم بها الدعاة وعملوا على تطورها لتحقق النهوض بالأعمال الدعوية والارتقاء بها؛ حيث إن النهوض بالدعوة هو ارتقاء بجوانب الحياة كلها في شتى مجالات الحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى